الصناعة الغذائية: ورش سيادي من وحي خطاب العرش

تابعتُ كمواطن مغربي وفاعل اقتصادي في قطاع الصناعة الغذائية، الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد، الذي جاء حاملاً لرؤية واضحة ومطمئنة لمستقبل الوطن، وداعياً إلى مضاعفة الجهود الوطنية في سبيل تعزيز ركائز السيادة الاقتصادية، وفي مقدمتها الأمن الغذائي وتطوير الإنتاج المحلي. لقد نال قطاع الصناعة الغذائية نصيباً من هذا التوجيه الاستراتيجي، باعتباره قطاعاً حيوياً له تأثير مباشر على الاستقرار المجتمعي والتوازنات الاقتصادية.
إن ما حققه المغرب خلال السنوات الأخيرة في هذا المجال هو ثمرة رؤية ملكية بعيدة المدى، تضع المواطن في صلب السياسات العمومية، وتُعلي من شأن العمل المنتج والمستدام. فالصناعة الغذائية اليوم أصبحت أكثر من مجرد قطاع اقتصادي، بل هي رافعة حقيقية لتحقيق السيادة الوطنية، وتمتين الاقتصاد الداخلي، وتثمين المنتوج المحلي، وخلق فرص الشغل، خاصة لفئة الشباب.
من موقع المسؤولية، أرى أن الصناعة الغذائية تشكل أحد أهم مجالات الاستثمار التي تتقاطع فيها الرهانات الاجتماعية والاقتصادية، فهي تسهم في تثبيت القيمة المضافة داخل الوطن، وتُقلص من التبعية للأسواق الخارجية، كما تفتح آفاقاً واسعة أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تُشكل العمود الفقري للنسيج الإنتاجي الوطني.
لكن رغم التقدم الملحوظ، فإن القطاع لا يزال يواجه تحديات حقيقية، من بينها الحاجة إلى تسريع وتيرة التحديث التكنولوجي، وتجويد سلاسل الإنتاج والتوزيع، وتحسين القدرة التنافسية، إلى جانب ضرورة إرساء منظومة متكاملة للبحث والتطوير، وربطها فعلياً بحاجيات الفاعلين في الميدان. كما أن ولوج الأسواق الخارجية لا يزال رهيناً بتطوير معايير الجودة، وبناء علامات تجارية مغربية قوية قادرة على التموقع بثقة في السوق الدولية.
الخطاب الملكي لم يكن فقط تقييماً للمنجزات، بل هو أيضاً نداء وطني من أجل تعبئة شاملة. ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز الصناعة الغذائية يستدعي توحيد الجهود بين الفاعلين الاقتصاديين، ومؤسسات الدولة، والمجتمع المدني، من أجل خلق بيئة مشجعة على الابتكار، ومحفزة على الاستثمار، وعادلة في توزيع الفرص على الصعيدين الجهوي والوطني.
كما أن الرفع من القيمة المضافة للقطاع يجب أن يمر عبر تثمين المنتوج المحلي، وتشجيع التصنيع القروي، وتوفير تكوين مهني متخصص في الصناعات الغذائية الحديثة، إلى جانب اعتماد مقاربات جديدة تجعل من المقاولة أداة للاندماج الاجتماعي، وليس فقط وسيلة للربح.
بصفتي أحد أبناء هذا الوطن الذين اختاروا الاستثمار في الصناعة الغذائية، أعتبر نفسي معنياً بشكل مباشر بروح الخطاب الملكي، وأجدد التزامي الكامل بالانخراط في هذا الورش الوطني الحيوي، بنفس وطني صادق، وبإرادة قوية للمساهمة في بناء مغرب الإنتاج، مغرب الكرامة، ومغرب المستقبل.
بقلم: مصطفى سباعي
فاعل اقتصادي في قطاع الصناعات الغذائية